صاحب الرعاية معالي وزير التربية والتعليم العالي،
سعادة رئيس الجامعة اللبنانية،
سعادة رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء،
حضرة المدير الاقليمي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية،
حضرة عميد كلية التربية،
العمداء المدراء الزملاء الموظفين،
الطلاب الاعزاء،
الحضور الكريم
يَسُرُّني ويُشرّفُني أن أرحِبَ بكم جميعًا، في افتتاحِ المؤتمرِ السّنويِّ لمركزِ الدّراساتِ والأبحاثِ التّربويةِ في كليةِ التربيةِ. يأتي هذا المؤتمرُ في وقتٍ تتسارعُ فيه وتيرةُ التقدمِ التكنولوجيِّ، حيث أصبح الذكاءُ الاصطناعيّ واقعاً ملموساً يدعونا إلى التأمّل والتفكّر كمجتمع تربويّ في هذا التحدي الجديد، والبحث في كيفيّة تسخيره لصالح التربية والتعليم.
يسعى مركزُنا إلى تكريسِ مؤتمرٍ سنويٍّ يُعنَى بالقضايا التّربويةِ المهمّةِ والمعاصرةِ، يجتمعُ فيه الباحثون لعرضِ نتائجِ أبحاثهم. وبما أنَّ مجالَ التربيةِ، مجالٌ واسعٌ تتقاطعُ فيه جميعُ العلومِ، فإننا نهْدِفُ من خلالِ هذا الموعدِ السّنويِّ إلى تحشيدِ جُهودِ الباحثينَ من كليّاتِ الجامعةِ اللبنانيةِ كافةَ ومن مؤسسات التعليم العالي في لبنان، لمناقشةِ التّحدياتِ التي نُواجِهُها جميعًا في لبنان.
لا يمكنُنا أن نتحدثَ عن الذكاءِ الاصطناعيِّ دون أن نستذكرَ أحدَ الرّوادِ الأوائلَ في هذا المجال، آلان تورينغ الذي صادفَتْ ذكرى وفاتِه السبعين بالتّزامنِ مع موعدِ انعقادِ المؤتمرِ. يعودُ لتورينغ الفضلُ في وضْعِ الأسسِ الأولى لعلمِ الحوسبةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ. واختبارُه الشهيرُ، الذي اقترحَه في عام 1950، ما زال يُعتبرُ مقياسًا مهمًا لقدرةِ الآلاتِ على التّفكيرِ.
إن الحديثَ عن الذكاءِ الاصطناعيِّ ليس فقط حديثًا عن التِّقْنِيَّةِ، بل حديثٌ عن المستقبلِ وكيفيةِ إعدادِ الأجيالِ القادمةِ لاغتنامِ فُرَصِهِ ومواجهةِ تحدياتِه. وفي ظلِّ التطوّرِ المتسارعِ، وجَبَ على التّربيةِ مواكبتَهُ؛ لنجِدَ أنفُسَنا أمامَ حتميّةِ استخدامِه في العمليّةِ التّعليميّةِ -التّعلّميّةِ، لِمَا يؤمِّنُهُ من تنويع ٍ في الأساليبِ التي تتلاءمُ والقدراتِ الفرديّةَ، وما يخفّفُه من عبءِ "الرّوتينِ المملِّ"، وما يوفّرُه من وقتٍ ومجهودٍ خلال العمليّةِ التّربويّةِ.
إلّا أنّ هذا التطورَ المتسارعَ يثيرُ العديدَ من التساؤلاتِ. فكيف يمكننا التأكدَ من أن الذكاءَ الاصطناعيَّ موجّهٌ لتحقيقِ الفائدةِ القصوى للمعلمِ والمتعلمِ على حدِّ سواءَ؟ كيف يمكنُنا ضمانَ توافقِ المناهجِ التعليميةِ وتحقيقَ التوازنِ بين الاعتمادِ عليه والحفاظِ على التفاعلِ خلال العمليّة التعليميةِ بالتّوازي مع الاستخدامِ الأخلاقيِّ له في سياقِ البحثِ العلميِّ؟ ما هي السياساتٍ التي نحتاجُ وضْعَها من اجل احترامِ الخصوصيةِ والحمايةِ من التحيُّزِ في خوارزمياتِه؟ كيف نؤّمن تدريباً جيداً للأساتذة والمتعلّمين للاستفادةِ القصوى منه دون الاعتمادِ المفرِطِ عليه؟ وأيّ استراتيجيّاتٍ تربويّةٍ فعّالةٍ سنعتَمِدُ في ظلِّ تداخلِ العقلِ مع الآلةِ؟ وهذا موضوع ُ الجلسةِ الافتتاحيةِ للمؤتمرِ.
من خلالِ تناولِ هذه المواضيعِ، يهْدِفُ مؤتمَرُنا إلى إثراءِ النقاشِ حولَها، ودفع ِ البحثِ الأكاديميِّ إلى المزيدِ من العمقِ والتطوّرِ، فضلًا عن تشجيع ِ التبادلِ الفعّالِ للأفكارِ والتجارُبِ بين المشاركين. غايتُنا واحدةٌ، تُختصرُ في تطويرِ بيئةٍ أكاديميةٍ وبحثيةٍ تتسمُ بالتعاونِ والانفتاحِ على أفضلِ الممارساتِ العالميةِ، مع مراعاةِ وضعِها في السياقِ الوطنيِّ.
يقولُ عالم النفس الأميركي دانييل غولمان: "لدينا عقلان: عقلٌ يفكّرُ، وآخرُ يشعرُ"؛ أمّا نحن فنقولُ انّ الذّكاءَ الاصطناعيَّ ليس سوى نتاجِ عقولٍ بشريّةٍ تكاتفَ فيها الشّعورُ والتّفكيرُ على حدِّ سواءَ. من هنا، كلّنا أملٌ أن تساهمَ نتائجُ الأبحاثِ والأفكارِ المطروحةِ خلال هذا المؤتمرِ في تعزيزِ فهمِنا لدورِ الذكاءِ الاصطناعيِّ وتفاعلِه مع الذكاءِ البشريِّ، وتَدِرَّ بالفائدةِ على صناع ِ القرارِ والمعنيينَ في المجالِ التّربويِّ.
ختامًا، اسمحوا لي أن أتوجّهَ بالشّكرِ إلى معالي وزيرِ التربيةِ والتعليمِ العالي القاضي الدكتور عباس الحلبي لرعايَتِه مؤتمرَنا، والىَ رئيسَ الجامعةِ اللبنانية د. بسام بدران المُعزّزَ الدّؤوبَ لمكانةِ الجامعةِ اللبنانيةِ. كما اشكر عميدَ كلية التربية د. خليل الجمّال ومجلسَ كليتِها لدعمِهم المستمرِ لنشاطاتِ المركز.
الشّكرُ العميقُ أُوجّهُه إلى الهيئة العلمية لمركز الأبحاث، اللجنة التنظيمية والى جميع ِ أعضاءِ اللجنةِ العلميةِ للمؤتمر على مساهمتِهم الفعّالةِ في تحكيم ِ أوراقِه، من زملاءَ داخلَ الجامعةِ اللبنانيّة وخارجَها؛ وجميع ِ رؤساءِ الجلساتِ، والباحثين المشاركين في الجلسةِ الافتتاحيةِ، وجميع ِ الباحثين، أساتذةً وطلابا، من لبنانَ ومن البلدانِ العربية ومن أوروبا، الذين تخطى عددَهُم الستين وأثرَوا المؤتمرَ بأبحاثِهم في هذا الوقتِ الصعبِ الذي قلَّ من يَعتَبِرُ فيه البحثَ أولويةً.
شكرًا لكم جميعًا وأتمنى لكم حضورًا مفيدًا ومشاركة ممتعة ومنتجة.